فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قالوا} أي: قومه منكرين عليه ومنكرين لاتباعه استنادًا إلى الكبر الذي ينشأ عنه بطر الحق وغمص الناس أي: احتقارهم {أنؤمن لك} أي: لأجل قولك هذا وما أوتيته من أوصافك {و} الحال أنه قد {اتبعك الأرذلون} أي: فيكون إيماننا بك سببًا لاستوائنا معهم، والرذالة: الخسة والذلة، وإنما استرذلوهم لاتضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا، قيل: كانوا من أهل الصناعات الخسيسة كالحياكة والحجامة والصناعة لا تزري بالديانة وهكذا كانت قريش تقول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زالت أتباع الأنبياء كذلك حتى كادت من سماتهم وأماراتهم، ألا ترى إلى هرقل حيث سأل أبا سفيان عن أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال ضعفاء الناس وأراذلهم قال: مازالت أتباع الأنبياء كذلك، وعن ابن عباس هم الفاتحة، وعن عكرمة الحاكة والإساكفة، وعن مقاتل السفلة ولما كانت هذه الشبهة في غاية الركاكة لأنّ نوحًا بعث إلى جميع قومه فلا يختلف الحال بسبب الفقر والغنى وشرف المكاسب وخستها أجابهم بقوله: {قال وما} أي: أي شيء {علمي بما كانوا يعملون} قبل أن يتبعوني أي: مالي وللبحث عن سرائرهم، وإنما قال هذا لأنهم قد طعنوا مع استرذالهم في إيمانهم وأنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة وإنما آمنوا هوى وبديهة كما حكى الله عنهم في قوله: {الذين هم أراذلنا بادي الرأي}.
ثم أكد أنه لا يبحث عن بواطنهم بقوله: {إن} أي: ما {حسابهم} أي: في الماضي والآتي {إلا على ربي} أي: المحسن إليّ فهو محاسبهم ومجازيهم، وأمّا أنا فلست بمحاسب ولا مجاز {لو تشعرون} أي: لو كان لكم نوع شعور لعلمتم ذلك فلم تقولوا ما قلتم ما هو دائر على أمور الدنيا فقط ولا نظر له إلى يوم الحساب، فإنّ الغنى غنى الدين والنسب نسب التقوى، ولما أوهم قولهم: هذا استدعاء طرد هؤلاء الذين آمنوا معه وتوقيف إيمانهم عليه حيث جعلوا أتباعهم المانع عنه أجابهم بقوله عليه السلام.
{وما} أي: ولست {أنا بطارد المؤمنين} أي: الذين صار الإيمان لهم وصفًا راسخًا فلم يرتدوا عنه للطمع في إيمانكم ولا لغيره من أتباع شهواتكم، ثم علل ذلك بقوله: {إن أنا إلا نذير} أي: محذر لا وكيل فاتش على البواطن ولامتنعت عن الاتباع {مبين} أوضح ما أرسلت به فلا أدع فيه لبسًا، وقرأ قالون بمدّ أنا في الوصل بخلاف عنه، والباقون بالقصر، ولما أجابهم بهذا الجواب وقد أيسوا مما راموه لم يكن منهم إلا التهديد بأن.
{قالوا لئن لم تنته} ثم سموه باسمه جفاء وقلة أدب بقولهم: {يا نوح} عما تقوله: {لتكونن من المرجومين} قال مقاتل والكلبي: من المقتولين بالحجارة، وقال الضحاك: من المشتومين فعند ذلك حصل اليأس لنوح عليه السلام من فلاحهم فلذلك.
{قال} شاكيًا إلى الله ما هو أعلم به منه توطئة للدّعاء عليهم ومعرضًا عن تهديدهم له صبرًا واحتسابًا لأنه من لازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {رب} أي: أيها المحسن إليّ {إنّ قومي كذبون} أي: فيما جئت به فليس الغرض من هذا إخبار الله بالتكذيب لعلمه بأنه عالم الغيب والشهادة ولكنه أراد لا أدعوك عليهم لما آذوني وإنما أدعوك لأجلك ولأجل دينك ولأنهم كذبوك في وحيك ورسالتك.
{فافتح} أي: احكم {بيني وبينهم فتحًا} أي: حكمًا يكون لي فيه فرج وبه من المضيق مخرج فأهلك المبطلين {ونجني ومن معي} أي: في الدين {من المؤمنين} مما تعذب به الكافرين، ثم لما كان في إهلاكهم وإنجائه من بديع الصنع ما يجل عن الوصف أظهره في مظهر العظمة بقوله تعالى: {فأنجيناه ومن معه} أي: الذين اتبعوه في الدين على ضعفهم وقلتهم {في الفلك} أي: السفينة وجمعه فُلك قال الله تعالى: {وترى الفلك فيه مواخر}.
قالوا حد بوزن قفل والجمع بوزن أسد، وقال تعالى: {المشحون} أي: الموقور المملوء من الناس والطير والحيوان لأنّ سلامة المملوء جدًا أغرب، ولما كان إغراقهم كلهم من الغرائب عظمه بأداة البعد فقال تعالى: {ثم أغرقنا بعد} أي: بعد إنجاء نوح ومن معه {الباقين} أي: من بقي على الأرض ولم يركب معه في السفينة على قوّتهم وكثرتهم.
{إن في ذلك} أي: الأمر العظيم من الدعاء والإمهال ثم الإنجاء والإهلاك {لأية} أي: عظة لمن شاهد ذلك أو سمع به {وما} أي: والحال أنه ما {كان أكثرهم} أي: العالمين بذلك {مؤمنين} وقد كان ينبغي لهم إذ فاتهم الإيمان بمحض الدليل أن يبادروا بالإيمان حين رأوا أوائل العذاب.
{وإن ربك} المحسن إليك بإرسالك وتكثير أتباعك وتعظيم أشياعك {لهو العزيز} أي: القادر بعزته على كل من قسرهم على الطاعة وإهلاكهم في أوّل أوقات المعصية {الرحيم} أي: الذي يخص من شاء من عباده بخالص وداده. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)}.
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس {قالوا أنؤمن لك} قالوا: أنصدقك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {واتبعك الأرذلون} قال: الحوّاكون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {واتبعك الأرذلون} قال: سفلة الناس وأراذلهم.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة {واتبعك الأرذلون} قال: الحوّاكون.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {إن حسابهم إلا على ربي} قال: هو أعلم بما في أنفسهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {لتكونن من المرجومين} قال: بالحجارة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {لتكونن من المرجومين} قال: بالشتيمة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فافتح بيني وبينهم فتحًا} قال: اقض بيني وبينهم قضاء.
وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح. مثله. وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {الفلك المشحون} قال: السفينة الموقورة الممتلئة. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول عبيد بن الأبرص:
شحنا أرضهم بالخيل حتى ** تركناهم أذل من الصراط

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: تدرون ما المشحون؟ قلنا: لا. قال هو الموقر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {الفلك المشحون} قال: الممتلئ.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {الفلك المشحون} قال: المملوء المفروغ منه تحميلًا.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {في الفلك المشحون} قال: المحمل.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {في الفلك المشحون} كنا نحدث: إنه الموقر.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن الشعبي {في الفلك المشحون} قال: المثقل.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس، مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح {في الفلك المشحون} قال: سفينة نوح. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ}:
إنَّما أَنَّثَ فعلَ القومِ؛ لأنه مؤنثُ بدليلِ تصغيره على قُوَيْمَة. وقيل: لأنَّه بمعنى أُمَّة ولمَّا كانَتْ آحادُه عقلاءَ ذكورًا وإناثًا عاد الضميرُ عليه باعتبارِ تغليبِ الذكورِ فقيل: {لهم أخوهم}. وحَذَفَ مفعولَ {تتَّقون} أي: ألا تتَّقون عقابَ الله.
{قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)}.
قوله: {واتبعك الأرذلون}: جملةٌ حاليةٌ مِنْ كاف {لك}. وقرأ عبد الله وابن عباس وأبو حيوة {وأَتْباعُك} مرفوعًا، جمعَ تابع كصاحِب وأَصْحاب، أو تَبِيْع كشَريف وأشراف، أو تَبع ك بَرَم وأَبْرام. وفي رفعه وجهان، أحدهما: أنَّه مبتدأٌ، و{الأَرْذَلُون} خبرُه. والجملةُ حاليةٌ أيضًا. والثاني: أنه عطفٌ على الضميرِ المرفوعِ في {نُؤْمِنُ} وحَسَّن ذلك الفصلُ بالجارِّ. و{الأرذلون} صفتُه.
وقرأ اليماني: {وأتباعِك} بالجرِّ عطفًا على الكاف في {لك}. وهو ضعيفٌ أو ممنوعٌ عند البصريين. وعلى هذا فيرتفع {الأَرْذَلُون} على خبر ابتداء مضمر أي: هم الأرذلون. وقد تقدَّم مادة الأَرْذَل في هود.
{قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112)}.
قوله: {وَمَا عِلْمِي}: يجوز في ما وجهان، أحدهما: وهو الظاهر أنها استفهامية في محل رفع بالابتداء. وعلمي خبرها. والباء متعلقة به. والثاني: أنها نافيةٌ. والباءُ متعلقةٌ ب عِلْمي أيضًا. قاله الحوفي، ويحتاج إلى إضمار خبر ليصير الكلامُ به جملةً.
{إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)}.
قوله: {لَوْ تَشْعُرُونَ}: جوابُها محذوفٌ، ومفعولُ {تَشْعُرون} أيضًا.
وقرأ الأعْرج وأبو زرعة {لو يَشْعُرون} بياء الغَيْبة، وهو التفاتٌ. ولا يَحْسُنُ عَوْدُه على المؤمنين.
{فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)}.
قوله: {فَتْحًا}: يجوز أَنْ يكونَ مفعولًا به، بمعنى المفتوحِ، وأَنْ يكونَ مصدرًا مؤكِّدًا.
قوله: {وَنَجِّنِي} المنجى منه محذوفٌ لفهمِ المعنى أي: ممَّا يَحُلُّ بقومي. و{مِنَ المؤمنين} بيانٌ لقوله: {مَنْ مَّعِي}.
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)}.
قوله: {المشحون}: أي المَمْلوءُ المُؤْقَرُ. يقال: شَحَنَها عليهم خَيْلًا ورِجالًا. والشَّحْناء: العَداوةُ؛ لأنها تملأَ الصدورَ إحَنًا. والفُلْكُ هنا مفردٌ بدليلِ وَصْفِه بالمفردِ. وقد تقدَّم الكلامُ عليه في البقرة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)}.
ذكر قصة نوحٍ وما لَقِيَ من قومه، وأنهم قالوا:
{قَالُواْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ}.
{قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)}.
إنَّ أتباعَ كلِّ رسولٍ إنما هم الأضعفون، لكنهم- في حكم الله- هم المتقدِّمون الأكرمون. قال عليه السلام: «نُصِرْت بضعفائكم» وإنَّ اللَّهَ أغرق قومه لمَّا أصَرُّوا واستكبروا.
وكذلك فَعَلَ بمن ذَكَرَتْهم الآياتُ في هذه السورة من عادٍ وثمودٍ وقوم لوطٍ وأصحاب مدين، كلٌّ منهم قابلوا رُسُلَهم بالتكذيب، فَدَمّر اللَّهُ عليهم أجمعين، ونَصَرَ رسولَه على مقتضى سُنَّتِه الحميدة فيهم. وقد ذَكَرَ الله قصةَ كل واحدٍ منهم ثم أعقبها قوله:-.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزَيِزُ الرَّحِيمُ}.
{الْعِزيزُ}: القادر على استئصالهم، {الرَّحِيمُ} الذي أخَّرَ العقوبة عنهم بإمهالهم، ولم يقطع الرزقَ مع قُبْحِ فِعالِهم.
وهو {عزيز} لم يُسْتَضَرّ بقبيح أعمالهم، ولو كانوا أجمعوا على طاعته لمَّا تَجَمَّلَ بأفعالهم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}.
هذه الآية تدل على أن قوم نوح كذبوا جماعة من المرسلين؛ بدليل صيغة الجمع في قوله المرسلين، ثم بين ذلك بما يدل على خلاف ذلك وأنهم إنما كذبوا رسولًا واحدًا وهو نوح- عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- بقوله: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ}.. إلى قوله: {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ}.
والجواب عن هذا: أن الرسل- عليهم صلوات الله وسلامه- لما كانت دعوتهم واحدة وهي: لا إله إلا الله صار مكذب واحد منهم مكذبًا لجميعهم؛ كما يدل لذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
وقد بين تعالى أن مكذب بعضهم مكذب للجميع بقوله: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا}.
ويأتي مثل هذا الإشكال والجواب في قوله: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ}. إلى آخره.
وقوله: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِح}.
وكذلك في قصة لوط، وشعيب على الجميع وعلى نبينا الصلاة والسلام. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {واتل عليهم نبأ إبراهيم} القلب {إذ قال لأبيه وقومه} وهو الروح وما يتولد منه {نعبد أصنامًا} وهو ما سوى الله {فنظل لها عاكفين} إلا أن أدركتنا العناية فنعرض عنها: {بل وجدنا آباءنا} وهم الأرواح والآباء العلوية كذلك يتعلق بعضهم ببعض {فإنهم عدوّ لي} إن تعلقت فصرت محجوبًا بهم عن الله {خلقني فهو يهدين} إلى حضرته و{يطعمني} من طعام العبودية الذي يعيش القلوب، ويسقيني من شراب طهور التجلي {وإذا مرضت} بتعلقات الكونين {فهو يشفين} بالجذبة الإلهية {والذي يميتني} عن أوصاف البشرية {ثم يحيين} بأوصاف الروحانية ويميتني عن أوصاف الروحانية ثم يحيين بالأوصاف الربانية ثم يميتني عن أنانيتي ثم يحيين بهويته {والذي أطمع أن} يستر ظلمة خطيئة وجودي بطلوع شمس نهار الدين {رب هب لي} من ربوبيتك {حكمًا} على بذل وجودي فيهويتك {وألحقني} بالذين صلحوا لقبول الفيض الإلهي بلا واسطة. {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} من النفس وصفاتها ليعرضوا عما سوى الله {واغفر لأبي} الروح {إنه كان من الضالين} حين رد من العالم العلوي إلى السفلي من قولهم ضل الماء في اللبن {ولا تخزني} بتعلقات الكونين {قال نوح} القلب {وما علمي بما كانوا يعملون} يعني أراذل الجسد والأعضاء لأنهم عملة عالم الشهادة وأنا من عملة عالم الغيب {إن حسابهم إلا على ربي} فيما يعملون من الأعمال الحيوانية لحاجة ضرورية يعفو عنها والشهوة حيوانية يؤاخذهم بها {لو تشعرون} الفرق بينهما {قالوا} أي النفس وصفاتها {لئن لم تنته يا نوح} القلب عما تدعونا إليه على خلاف إرادتنا {لنكونن من المرجومين} بأحجار الوساوس والهواجس {في الفلك المشحون} أي في فلك الشريعة المملوء بالأوامر والنواهي والحكم والمواعظ والأسرار والحقائق {ثم أغرقنا الباقين} بطوفان استيلاء الأخلاق الذميمة وآفات الدنيا الدنية، وباقي القصص إشارات إلى رسول القلب المسلم من الله وقومه النفس وصفاتها وإليه المرجع والمآب لما قررناه. اهـ.